الزامل الحضرمي نشاته وانواعه ممزوجه برائحة الخرافه والجن
الزوامل إحدى الفنون اليمنية التراثية الأصيلة .. وهي من الرقصات التي تؤكد على وحدة اليمن أرضا وإنسانا ويرقصها اليمنيون على امتداد الساحة اليمنية من صعدة حتى المهـرة . وقد عرفت الجزيـرة العربيـة هـذه الرقصـة الموغلة في القدم عبـر اليمن وهذا ما أكده لنا الأستاذ/ الأكوع، إن هشـام بن عبد الملك قد أورد في كتاب السيرة معلومة الزامل وحدد زمنه "وإنه وصل الجزيرة العربية عـبر اليمن في حدود (200) سنة قبل الهجرة الإسلامية ويكون قد دوّن على الأحجار والجلود" كما أن هناك مؤرخون وباحثون جزموا بأن الزامل قديم جداً ولم يعرف تاريخ نشأته .. ونحن هنا عندما تناول أشعار هذه الرقصة لهي بمثابة سجل تاريخي فهي لم تكن بمثابة رقصة فحسب بل ملحمة لتاريخ أمة باعتبارها مرجع لمختلف الأحداث التاريخية من القرن الثالث الميـلادي عند هجوم الرومان والأحباش على اليمن حتى يومنا هذا.. وعندما نتناولها كرقصة فهي ملحمة بطولية للدفاع عن الأرض والعرض ورد كيد الأعداء.. ويتجلى ذلك من خلال ما يتزود به الراقص من سلاح وعتاد.. أما الجوانب الإنسانية فهي عظيمة لعظمة هذه القضايا اليمنية تجسـدها تلك الشعار التي رددها الشعراء وأخمدوا بها فتن كبيره بين هذه القبائل ومهدت أشعارهم الطريق أمام المصالحة ونبذ الخلاف وقضايا الثأر وساعدت على ترسيخ المعاهدات والمواثيق وهذه جوانب إنسانية تستحق منا أن نكتبها بحروف من ذهب..كما اهتمت هذه الأشعار بقضايا الناس وهمومهم وقضايا الساعة وأشادت بالقبائل وكرم الضيافة والترحيب بالضيوف في الزواجات. وكان اهتمامها بالنبض الشعري أكثر من اهتمامها بالنبض الحركي للرقصة.
ويقول الشيخ/ عبد الواسع بن يحيى الواسعي (يسمونه النشيد الوطني لأنه مشتق من الزمله وهي الرفقة والجماعة (تاريخ اليمن) أما الأستاذ/ عبد الله البردوني رحمة الله يقول (الزامل) كفن يستنطق الحال وبعد إنشاده يسمى (زوامل).
يقول الشاعر عمر باعطوة:-
ومدافع الرحمن مثل الراعـد تقذف صواعق بالنقم مدخـولة
ويقول المعلم عبد الحق:-
فلا المدافـع رجّها خـوفهم ولا الحوامل منها مشـــغولة
ولا المصانع قل فيها القامزي لا يا عمـر رطلك نقص لا توله
ويقول الشاعـر باحريز:-
فسحوا في الزامل وقالوا لي البنادق كذّبت
ومن معه دعوى يوكلنّا وبا أطلع له وكيل
وللزوامل أسماء كثيـرة في اليمن ففي المناطق الشمالية ( يسمى مغرد) ومناطق تهامة (مهيد) وفي المناطق الوسطى (المهجل) ويسمى (راجـز) وفي بعض المناطق (مجاوبه) وفي حضـرموت زامل (اليامي) عند قبائل سيبان (وزامل الصف والهبوت) عند قبائل الحموم وهذا الاسم يطلق في المشقاص والمهـره وعمان وزامل يافع وزامل العبيد وهو من الزوامل الوافدة إلينا من أفريقيا. ومن خلال بحثنا لم نجد بيتاً من الشعـر ردد هذه الأسـماء بل كلها أجمعت على كلمة الزامل وهي أكثر شيوعاً من الأسـماء الأخرى خاصةً في حضـرموت ولذا نجدها كثيرا ما وجدت في الأشعار الشعبية يقول باحريز:-
وأنا ما نخرج الزامل بلا سكين نتبرع وكل رقبة طويلة راس لها آفة توا طيها
ويقول الشاعـر عوض باغطاء:-
قال شاعر خرج موكبي في عز مندر عيدنا حفلة الزامل وكل بعيده
ويقول الشاعـر سالمين بن لسود بن الهميم:-
صوت الزوامل يطرب الوافي وينســـم المجروح مما به
شـربه شربناها من الصـافي وان جاء بشير الموت حيا به
أما شاعرنا أبو محضار رحمة الله يقول:-
يا حصن مولى البناقل محلى ركونك خيفان بعد الزوامل ينعق عليك الغراب
ويقول أيضاً -
الرييده سقوني الذر فبها وربوني ما تناسيت وأعرف سـدة الدار والبوني
كل دخلة بترحيبة والزمل والتناصير
الزامل من الفنون القديمة التي لا نستطيع تحديد فترة نشأته ولكن من حيث العمر الزمني فهو قديم جداً وأشارت بعض المصادر كما أشار أستاذنا/ حسـين الجيلاني إلى وجوده فهو قديم في اليمن وحين زار مندوب قيصـر الروم أحد ملوك حميّر يقول الدكتور/ جواد علي ( إن رئيس الوفد القيصري رأى الملك الحميري عندما خرج في موكبه على عربة تجرها الخيول وليس على هذا الملك الحميري من الملابس إلا مأزوره وحوله رجال حاشيته وهم يتغنون بإطرائه وتفخيمه وهم على هيئة الزامل). إذاً فان إيراد مثل هذه الاشاره الخاطفة تثبت إن هذه الرقصة موغلة في القدم زاملاً يهز النفوس ويرنح قامة الصمت وعندما أصغت إليه القبائل حفظت ذلك الزامل:-
قبح الله وجهك يا ذلـيـل عاد بعد الحرائق عافـية
عند شب الحرائق ما نميل باتجيك العلوم الشـــافية
وكانت أصوات الزاملين تقترب فتثير الفزع وتبتعد فترجعها الرياح وكانت القبائل المختبئة تخرج من مخابئها فلا ترى أحد وإنما تسمع ضجيجاً وتشاهد أمواج الغبار فتأكد المختبئون من اشتعال حرب بين الجان فهيجهم ذلك الزامل المتحمس فأجتازوا جدار الخوف وأندفعوا لمقارعة العدو. وهذه الحكاية بتاريخها (سنة دقيانوس) تشير إلى الغزو الروماني بقيادة أكتوفيوس وربما حرفت اسم القائد باللهجة المحلية فسموه دقيانوس ولعل هذه التسمية تعرف الغزو الروماني والحبشي معاً وعادة لهجتنا المحلية التي ما تحرف كثيراً الأسماء فمثلاً كانت تسمي الأتراك (هماشلة) كما كانت تسمي الإنجليز (السركال) وقياساً على هذا فان سنة دقيانوس سنة الغزو الروماني في مطلع القرن الثالث الميلادي والى هذه الفترة تنسب نشأة فن الزامل، تعلمتها الجموع القبلية من الجان ثم أصبحت تقليداً لأن الجان أعلى مثال في الإبداع القولي. غير إن هذه الحكاية تستثير سؤالاً هل كانت الجموع قبل سنة دقيانوس خرساء من أي تعبير؟ ربما هناك أنواع من الترانيم لم تحدد بتسمية ووقعت في غمار المنسيات من الحكايات والأخبار أما زامل الجان فقد توارثته الرواية الشفهية جيلاً عن جيل إلى مطلع هذا العصـر وفي أحداث الحرب تسبق دعوة الاستنفار ترديدات هذا الزمل كإثارة تحميسه وتتلو هذا الزامل صيحات إلى مكان الصوت المستغيث فتبدأ زوامل الحرب وإذا كان مكان المعركة قريباً كان الزامل من ضرب القصير من أمثال هذا التشكيل..
بارق برق من عندكم وأسقى البلايد عندنا
غصن القنا من عندكم والقاطفي من عندنا
ويؤدي هذا الزمل كالمهجل سريع الحركة على الشفاه قصير الأنفاس يناسب سرعة التحرك في الصعود والهبوط.
إذن ما هو الزامل؟
الأزمل في اللغة الفصحى الصوت المختلط من عدة أصوات وهو بمعنى آخر العد والتمايل كسرعة الأعرج أما تعريفة من محتواه فهو تعبير الحياة المباشرة من خلال الأصوات المتجاوبة فهو إنتاج جماعي روته أجيال عن أجيال كما أشار الأستاذ/ البردوني في كتابة (فنون الأدب الشعبي) ولا يشكل البداع إلا أقل أجزاءه في المناسبات الطارئة غير إن أكثرية الزوامل شهرة مجهولة القائل كنشيد الحرب الذي سبق له التمثيل. ويقول الأديب والعلامة/ أحمد الشامي الزامل من الفنون الشعبية القديمة والزامل نوع من الرجز يرجع إليه أهل اليمن حين يكونوا في حالة حصار أو حرب فيقف قائدهم وهو في الغالب يجيد نظم الزامل فيرتجز بعضة أبيات بلهجتها العامية مراراً حتى يتلقفها الجميع وتنشد جماعياً وقد لعب الزامل دوراً مؤثراً، فحين يشعر الأهالي بالظلم واقع عليهم يتجهون إلى مقر الحاكم ويتزملون بشكيتّهم ونورد هنا بعض الأمثلة:-
عاد حد للناس خالق عاد حد با ينقد المنقود
يا هــذا العــرب
أما الشاعر والمقدم/ مدحج الشحري مهاجماً السلطان بدر أبو طويرق:
قدها عليه هتفه يضم ويضـيّع ويوقظ الفتنة وهي نعسانة
حلان كم من دار صبحهم طيّر بشوره العاثر بدت حزنانة
ما فادت الحملات قل له هـون الجند فشلت والعرب تلفانه
ضيعت رزق الخلق في كثر السفه ألوف ذي ضيعتها حنانـه
ويقول الأستاذ/ وم
إن الحياة بذلة كجهنم وجهنم بالعز أطيب منزل
ويقابله من الشعر العامي قول متزمل من همدان:
صحت عيوني من مرضها الأولي جابوا دوائها في أبن شماخ الصليب
البدع منهم والكفأ من عندنا تبيح نتاجيهم بزينات القصيب
و يقول الأستاذ/ البردوني (الزامل كفن يستنطق الحال وبعد إنشاده يسمى زوامل لكثرة الأصوات فعندما يجتمع الناس في القرى لتلبية أي حادث يصنع البداع شطرين أو ثلاثة أشطر يرددها اصف الأول على درجات أولاً بأصوات قراءه للحفظ عن طريق التلقين ثانياً تجربة الأداء بعد أن يتأكد البداع من حسن الداء فتعلو الأصوات بالزامل) وهذا ما أشرنا إليه سابقاً وهو ما يسمى بغناء المردى ويستطرد البردوني قائلاً ولا بد أن يكون معبراً عن الحدث الذي أستدعى التحرك والأصوات.. وهنا أتذكر الحوار الذي دار بين الشاعرين محمد فرج بانبوع وحسن برجف بعد أحداث يناير 1986م يقول بانبوع:
يا العكبري شا العمر الا يذهب وأحوالنا وديارنا معمورة
مابنا يعب حاشا ولا بانتعب هذا خبر والعلم عند الصورة
برجف – من الظمأ بانبوع دائم يشرب الحاد له ما ينكر المنكورة
الدامه مكسورة بغاها تلعب معاد تلب الدامه وهي مكسورة
بانبوع – لي كسروا الدامه جماعة مرحبا مرحب وقومه كسروا الباكورة
لكن عادنا قابضين المخشب وبا نبني الروشان والمقصورة
أما الحوار الذي دار بين الشاعر العجيلي ومبارك السباعي يحب أن يتأكد الأول فيما إذا لازالت جند القعيطي مرابظه داخل الديس الشرقية بعد أنتها هجوم البادية (وهي ما تسمى بدخلة الديس الشرقية عام 1933م يقول العجيلي:
ياللّي جيتوا من خضير هتوا من خضير خبر
البحر موج آكدر
السباعي:
من قبل هاج وماج وما ذلحين رجع كسر
واموادنه وافلوك وانواتخ كل بر
داري وامعك خبر إن النحاس من الوقيد
لا كثر عليه يحر لا بديره أو ربان
وامعلم ع التفر
.
الخـلاصـة
أن هذه الرقصة والتي شملت مختلف الأرض اليمنية بسهولها ووديانها تؤكد لنا وحدة التراب اليمني من صعده حتى المهره
هذه الرقصة شملت أشعارها مختلف النواحي السياسية والإجماعية كالترحيب والاستقبال والاستعداد للحرب والقتال فهي لم تكن رقصة فحسب بل ملحمة لتاريخ أمة ويمكننا أن نعتبر أشعارها لكثير من الأحداث التاريخية التي مرت بها اليمن.
هناك جوانب رائعة وعظيمة وإنسانية مثل تلك الأشعار التي أخمدت كثيراً من الفتن بين القبائل ومهدت لاستعمال العقل والاحتكام وخلقت جواً صحياً ساعد على وضع الأسس لاقامة المواثيق والاتفاقيات.
من خلال هذا البحث المتواضع نجد بعض المهتمين بالزوامل ركزوا عليها لا باعتبارها رقصة تعبيرية بل مجرد مساجلات بين الشعراء ولهذا كان اهتمامهم بالنبض الشعري أكثر من النبض الحركي.
وركز البعض الآخر بأن الزوامل رقصة شعبية تنتمي إلى فنوننا الشعبية ولهذا كان اهتمامهم بالنبض الحركي أكثر من النبض الشعري.
ملابس الرقصة وأدواتها وإيقاعاتها الشعبية توحي للمشاهد بأنها من رقصات الحرب كالعده والبرع وغيرها كما أن تلك الهوكات والزمل والتناصير دليل آخر
الرقصة عند قبائل سيبان والحموم لا تعتمد على أي نوع من أنواع الإيقاعات بل يعتمد في حركته على النبض الشعري.
هذه الرقصة تؤدى بشكل جماعي لا يقل الصف عن أربعين رجلاً ويشارك فيها كل أفراد القبيلة القادرين على الرقص وهي رقصة جماعية.
نوع الغناء المتبادل يسمى (بالمردى المتبادل) الذي تردده مجموعه ثم يردده الجميع في بداية حفظ القصيدة واللحن ويسمى علمياً (Responsorial Antiphonals).
زوامل الصف تعتمد على السيرة الجماعية وتعتبر آلة المدروف الصاحبة للراقصين رائده غير مرطبته ومرتبطة مباشرة بحركة الراقصين في مقدمة مسيرة الزامل.
هذه الرقصة عرفتها الجزيرة العربية عبر اليمن في حدود (200سنة) قبل الهجرة الإسلامية ودونت أشعارها على الجلود والأحجار كما أكد ذلك هشام بن عبدالملك.
كل محافظة لها طابع خاص في بحور أشعارها فمنهم يفضل الزامل الطويل خاصة في المناطق الجبلية كمأرب والجوف أما الزامل القصير فهو من صنع المناطق الشرقية والمحافظات الجنوبية وله عدة بحور منها الخفيف والمتوسط والطويل فالبحر الخفيف عند الجري والصعود والنزول والمتوسط عند المشي في الأرض المنبسطة والطويل في المسافات القصيرة
والله ولّي التوفيق.