الكاتب: أيمن بريك
الاحد 30 صفر 1431الموافق 14 فبراير 2010
أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم" ـ أن السرعة هي معنًى إيجابي في الأصل؛ فهي استثمار أمثل وجيد للوقت، وإنجاز في العمل، واحترام أصول المنافسة مع الآخرين في دراسة أو في شراكة اقتصادية أو في مشروع اجتماعي أو المنافسة مع الأوطان والمجتمعات والأمم الأخرى، يقول تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)(المطففين: من الآية26).
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الجمعة من برنامج "الحياة كلمة"، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان "سرعة" ـ: إن السرعة تكون مذمومة إذا كانت داخل الشيء، وذلك مثل الإسراع إلى الصلاة، فهذا مطلوب من غير أن يكون في بالك إخلال بالأدب، لكن الإسراع في الصلاة مذموم؛ لأنه يتنافى مع الإتقان والجودة والإنجاز والالتزام.
البطء قاتل
وأردف الدكتور العودة: وكذلك أن يُسرع الإنسان إلى القرآن كلما شعر بالضيق، فهذا معنى إيجابي، لكن أن يُسرع في قراءة القرآن ويهُذُّه هذًّا كهَذِّ الشِّعر أو ينثره نثرًا كنثر الدَّقَل، فهذا مذموم، لأن الإنسان في هذه الحالة لم ينتفع بالقرآن والعبرة، كذا لم ينتفع بالوقت الذي يبذله، والعقل الذي يوجهه لفهم هذا القرآن والتدبر، موضحًا أن أهم شيء في السرعة، هو إدراك قيمة الوقت:
الوقت أثمن ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يُضيّع
وتابع فضيلته أن العجلة هي جزء من كينونة الإنسان، فلها ارتباط بالعمر، والوقت، والاستثمار، ومنافسة الآخرين، والإنجاز، والسبق، لكن السلبية فيما إذا ما تمادت العجلة ولم يكن هناك أي رادع لها، مشيرًا إلى ضرورة أن ننظم عملية السرعة، بل أن نتدرب على السرعة، مؤكدًا أن البطء في الحراك قاتل.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: إن العرب يضربون المثل برجل يسمى "فند"؛ حيث كانت سيدته قد أرسلته ليجلب الحطب، وقالت له: استوقد لنا نارًا، فذهب ووجد مسافرين إلى مصر فذهب معهم وبعد سنة رجع، وعندما رجع تذكَّر طلب سيدته فأخذ جذوة من النار وجاء بها إليها، وعندما قرب منها شعر بأن الوقت ينفد، ولذلك استعجل وعثر وطاحت النار وصار يمشي وهو يتذمر ويقول: بئست العجلة، فصاروا يضربون به المثل، أنه مكث سنة ومع ذلك ذم العجلة!
سرعة..وتأنٍّ
ونبَّه الشيخ سلمان إلى أننا اليوم في سباق في ميادين الفرص الدنيوية أو مع أمم الأرض، ولذلك من أجمل كلمات العرب التي يذكرونها أنهم يقولون: "أعظم الخطأ هو السرعة قبل الإمكان والتأني بعد الفرصة"، وهذه تضبط متى يكون الأمر إيجابيًّا ومتى يكون سلبيًّا.
وعلى سبيل المثال، فإذا كان هناك شخص عنده مشروع اقتصادي، فتجاوز كل الاعتبارات واستعجل لأنه كان متحمسًا فإنه سوف يواجه إخفاقًا ضخمًا، وكذلك إذا جاءته الفرصة ولم يستثمرها، ولم يكن عنده الحدس الجيد ولا الخبرة ولا الاستشارة التي تجعله يشعر بأن الفرصة قد واتت وعليه أن يغتنمها، فإنه سوف يكون مخطئًا أيضًا.
الإعلام..وعصر السرعة
وفيما يتعلق بأن الإعلام من أكثر العناوين الهائلة في عصرنا تزينًا وحملًا لشعار السرعة، قال الشيخ سلمان: إن الإعلام من أهم أدوات السرعة، فالقنوات تتنافس الآن في تقديم الخبر ساعة وقوعه وأحيانًا بالصورة، وهذا نوع من السرعة، والمنافسة في كسب الوقت، وفي ثمن الشاشة، حيث أصبح للشاشة ثمن، ولذلك أصبحت لدى كل مؤسسة إعلامية إستراتيجيتها الخاصة من أجل تقديم معلومات أكثر في وقت أقل.
وأضاف فضيلته أن هذا التنافس يؤثر على المحتوى الذي سوف تقدّمه للآخرين، كما يؤثر على كثير من المعاني، سواء في مجال الفتوى، أو التوجيه الشرعي، أو في المجال الثقافي، فالإعلام حينما يكون في مجال الترفيه ربما يكون الوقت فيه ممدودًا أكثر، لكن حينما يكون هناك جانب توجيهي أو ثقافي أو تربوي يكون الوقت محدودًا، لافتًا إلى أن هذا جزء من تبعات السرعة والتنافس مع الآخرين على المشاهد الذي ربما ثانية واحدة تؤثر عليه.
ابن الفجاءة؟!!
وأوضح الدكتور العودة أن الإعلام ساهم في سرعة نقل المعلومات، لكنْ كثيرًا ما تكون هناك معلومات غير مضبوطة، كما ساهم في النجومية لكثير من الأشخاص، حيث تجد أن كثيرًا من برامج التلفزيون الواقعي تبرز نجومًا في الفن أو في الثقافة أو في الشهرة أو في أي وجه من الوجوه دون أن يكونوا قد سلكوا الطريق الطبيعي لذلك.
وتابع فضيلته أن هذا ضار جدًّا حتى على الصعيد النفسي، مشيرًا إلى أن فضيلته كتب مقالًا اسمه "ابن الفجاءة"، ذكر فيه أن الإنسان الذي يأتيه المجد فجأةً لا يعرف كيف يتصرف فيه وربما يؤثر هذا على نفسيته وعلى تعاطيه مع الآخرين وعلى شخصيته، فربما يتكبر أو يرى نفسه شيئًا غير عادي، وهذا في النهاية يكتشف ذاته لكن بعد فوات الأوان.
فتوى سريعة
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الإعلام جعل كثيرًا من طلاب العلم يسارعون في تقديم الفتوى السريعة، قال الشيخ سلمان: إن السرعة ليست مذمومة، حيث ينبغي أن نستثمر التقنية، وأن نستثمر هذه الروح التي تنشأ عند الناس استثمارًا إيجابيًّا، لكن هذا لا يعني أبدًا أن نخلَّ بالجودة أو أن نخلَّ بالمضمون وأن تكون الفتاوى كما يقال مسلوقة سلقًا.
السرعة..والعجلة
وفيما يتعلق بمفهوم السرعة، قال الشيخ سلمان: إن السرعة مفهوم قد يكون أقرب للإيجابي منه إلى السلبي، فالسرعة في أصلها معنًى إيجابي؛ لأن الإنسان يُسرع إلى الأشياء، وهذا يدل على المبادرة، والحرص، وكسب الوقت، والمنافسة، وعلى ذلك فإن مفهوم السرعة يلتبس مع كثير من المعاني الشرعية والحياتية الإيجابية في الأصل.
وحول الفرق بين السرعة والعجلة، أضاف فضيلته: إن العجلة تكون إذا كانت السرعة في الأصل إيجابية ويطرأ عليها ما يجعلها سلبية، وعلى ذلك فإن العجلة على النقيض، فهي في الأصل سلبية وقد يطرأ عليها ما يجعلها إيجابية.
السرعة..والتسارع
وأوضح الدكتور العودة أن التسارع مرتبط بالسرعة، فالمسارعة أو المنافسة أو المسابقة توحي بمعنى المنافسة مع الآخرين، فالإنسان في هذه الحياة ليس وحده، ولكن الميدان الذي أنت فيه يشاركك فيه غيرك، وإذا كان هناك من يقولون إن القوي يغلب الضعيف أو الكبير يغلب الصغير أو الكثير يغلب القليل، فاليوم نحن نستطيع أن نقول: "إن السريع يغلب البطيء"، وقد يقود البطيء.
وتابع فضيلته أنه يمكن القول بأن السرعة أصبحت جزءًا مهمًّا من عملية المنافسة أو المسابقة والمسارعة.
السرعة في القرآن والسنة
وردًّا على سؤال يقول: هل جاءت السرعة كمعنًى إيجابي في القرآن والسنة؟ قال الشيخ سلمان: نعم؛ ففي القرآن الكريم ـ على سبيل المثال ـ مدح الله -سبحانه وتعالى- نفسه بأنه "سريع الحساب"، وهذا يدل على معنًى إيجابي وعظيم، والإنسان يتشبه بهذا المعنى في الأصل، كما جاءت السرعة في القرآن في حوالي ثلاثة وعشرين موضعًا، أغلبها إيجابي، ومن ذلك قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(آل عمران: من الآية133)، وقوله تعالى: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)(المؤمنون: من الآية61)، وقوله تعالى: (نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ)(المؤمنون: من الآية56).
وأضاف فضيلته أن المسارعة ـ والتي هي مأخوذة من السرعة ـ لها معنى إيجابي أيضًا، وذلك حتى لو تجاوزنا لفظ المسارعة نفسه إلى نظائره، مثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)(الجمعة: من الآية9)، فالسعي في هذه الآية يعني التوجه وسرعة الامتثال للشيء، وكذلك تكون المبادرة والمنافسة والمسابقة، مشيرًا إلى أن هذه من المعاني العظيمة التي تغير كثيرًا من مفهوماتنا.
وأردف: أن كثيرًا من الناس لا ينتبهون إلى أن هذا المعنى الشرعي، بل ربما يلتفت بعضهم إلى نقائضه مما ذمه الشرع، وذلك مثل الخلط بين السرعة والعجلة، والتي جاءت في القرآن الكريم بمعنى مذموم في الغالب، يقول تعالى: (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ)(الأعراف: من الآية150)، ويقول أيضًا: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ)(مريم: من الآية84)، ويقول تعالى: (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ)(الأنبياء: من الآية37)، ويقول عز وجل: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)(النحل: من الآية1)، كذلك عندما قال موسى -عليه الصلاة والسلام-: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ)(طـه: من الآية85،84).
نتائج سلبية
وأوضح الدكتور العودة أن العجلة غالبًا ما تكون نتائجها ليست كما يتمنى الإنسان، وقد كان الله يُؤدب نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) (مريم:84)، وهذا من استعجال هلاك الظالمين، كذلك الاستعجال في استجابة الدعاء بشكل عام «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلاَ أَوْ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِى»، واستعجال النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)(طـه: من الآية114).
وتابع فضيلته أن الله تعالى ذكر في القرآن الكريم أن من طبع الإنسان العجل، يقول تعالى: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)(الأنبياء: من الآية37)، ويقول أيضًا: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا)(الإسراء: من الآية11)، وهذا يشير إلى أن الإنسان طبعه العجلة والاستعجال، ولهذا جاء النص الشرعي ليُحدث توازنًا مع هذا الطبع، وليؤكد أن الاستعجال مذموم.
شيء من العجلة
وذلك مثلما تحدثت الشريعة أيضًا عن حب المال أو حب التملك، حيث أشارت إلى أن هذا طبع في الإنسان، ولكن الشريعة جاءت لتنظم هذا المعنى لا لتلغيَه، ولهذا يظل الإنسان عجولًا حتى وإن كان يُنهَى عن ذلك شرعًا، فالله -سبحانه وتعالى- قال: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ)، أي: أن جنس الإنسان المؤمن والكافر والبر والفاجر بطبيعته لديه شيء من العجلة.
ولفت الشيخ سلمان إلى أن العجلة ليست سمة فطرية سلبية، ولكنها جزء من كينونة الإنسان لها ارتباط بالعمر، والوقت، والاستثمار، ومنافسة الآخرين، والإنجاز، والسبق، لكن السلبية تكون إذا ما تمادت ولم يكن هناك أي رادع لها.
عصر السرعة؟!!
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن حديث الناس دائمًا هذا العصر سِمَتُهُ الأساسية هي السرعة، قال الشيخ سلمان: هذا صحيح، فإنه بدلًا من البريد الذي كان يستغرق أيامًا ولياليَ، يوجد الآن الإيميل والذي يصل خلال بضع ثوانٍ، وبدلًا من الزيارة أصبح الاتصال عبر الجوال؛ ولذلك إنجازات العصر الذي نعيش فيه تقاس بالسرعة، وهذه لا شك أنها ميزة عظيمة ومؤثرة في تحقيق أي نمو أو نهوض أو تقدم عند الأمم والشعوب، ولذلك أصبح هذا العصر هو عصر السرعة في كل الأشياء، سواءٌ في ذلك سرعة التواصل، وسرعة القيادة، وسرعة التأثير، وسرعة التأثر، كما تجد الآن الطعام السريع على الرغم مما فيه من سلبيات إلا أنه أصبح مؤثرًا على كثير من الأبناء والبنات، مشيرًا إلى أن السرعة في وسائل التواصل والاتصال والتأثير، كان لها بعض الأضرار على الإنسان.
وذكر فضيلته أن هناك كتابًا للمؤلف الغربي بايرون جونز اسمه "إدمان السرعة"، لافتًا إلى أن هذا الكتاب يتحدث عن تقنيات الإبطاء، وكيف نفلح في أن نبطئ وتيرة الإنسان بدلًا من أن يقع الإنسان ضحية السرعة، وهذا يعالج الجانب السلبي من السرعة، وذلك لأن السرعة قد تحرمك -مثلًا- من الاستمتاع بالعمل، فالعمل فيه متعة وبهجة، بينما السرعة قد تحرمك من ذلك، كذلك السرعة ربما تحرمك من لحظات الإجازة ولحظات الفرح.
وأردف الدكتور العودة أن هذا الكتاب يوصي بأنه إذا كان الإنسان في إجازة أو وقت راحة فعليه أن يخلع ساعته حتى لا ينظر في الوقت، لأن هذا من شأنه أن يصنع عند الإنسان توترًا يحرمه من متعة الحياة، كما يوصي هذا الكتاب الإنسان بالصبر، وكيف نوفق بين الصبر وبين السرعة التي هي أحيانًا نوع من نفاد الصبر عند الإنسان، مشيرًا إلى أن هناك أشياء كثيرة جدًّا تتعلق بالقدرة على التخلص من التوتر والإفراط في السرعة.
أطعمة سريعة؟!!
وردًّا على سؤال يقول: في الغرب يرون أن عصر الهامبرجر أصبح يطغى، وأنه من تبعات التقدم الحضاري، لكن في العالم العربي علامَ نسارع؟، قال الشيخ سلمان: إن انتشار الأطعمة السريعة يرجع إلى: سرعة التحضير، ووجود مذاق جيد لها ومختار، ولذلك فإنه ليس ثمة بأس أن تقوم الأسرة ما بين الفينة والأخرى بتعاطي مثل هذا النوع من الأطعمة كنوع من كسر الروتين أو تغييره، لكن المشكلة تكمن في خطورة أن يكون هذا هو الغذاء الرئيس للأبناء والبنات، حيث تكون لها أضرار، خاصة فيما يتعلق بالدهون التي تم غليها أكثر من مرة، أو في بعض المركبات الكيميائية.
وأضاف فضيلته أنه من أهم أسباب السمنة التي تعاني منها الشعوب كالشعب الأمريكي -مثلًا- أو الشعب السعودي، وغيره من الشعوب العربية التي تعاني من السمنة المفرطة خاصة عند الشباب، والبنات بشكل أخص، هو النظام الغذائي السيئ، وتعاطي مثل هذه الأطعمة مع المشروبات الغازية، وهذه من سمات عصر السرعة التي يجب أن تحارَب وأن تقاوَم.
السرعة المرَضية
وأوضح الدكتور العودة أن الغرب عندما يسرع، فإنه يسرع إلى إنجاز أو عمل لكي يتمكن من الاستمتاع بإجازته، لكن نحن ـ في كثير من الأحيان ـ اقتبسنا هذا المظهر ذاته وهو السرعة، فتجد الإنسان في الشارع يقود السيارة بسرعة جنونية ويتجاوز الإشارة حتى لو كانت صفراء أو في أول احمرارها ويتسامح مع نفسه في هذا.
وتابع فضيلته: وفي النهاية تجده يركض من أجل أن يقتل الوقت ببطء شديد في الاستراحة بعيدًا عن الزوجة والأطفال، أو بعيدًا عن الإنجاز، أو لكي يجلس مع مجموعة من الأصدقاء لساعات طويلة على لعب البلوت أو على مشاهدة التلفاز أو السهر على الإنترنت أو على أشياء ليس لها أهمية ولا قيمة، مشيرًا إلى أن هذا النوع من السرعة يمكن أن نسميه بـ"السرعة المرَضِيَّة".
السرعة العاطفية
وردًّا على سؤال يقول: ماذا عن السرعة العاطفية؟ قال الشيخ سلمان: إن السرعة العاطفية قد تشمل:
1 ـ سرعة الغضب: وهذه من الأشياء السلبية، فكون الإنسان سريع الغضب هذا ليس جيدًا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لِلأَشَجِّ؛ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ»، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «التُّؤَدَةُ فِى كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ فِى عَمَلِ الآخِرَةِ»، ويقول -صلى الله عليه وسلم- في حديث أنس: (العجلة من الشيطان)، مؤكدًا على أن التأنّي والتؤدة فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي مطلب مهم فيما يتعلق -مثلًا- بالغضب.
2 ـ سرعة الملل: حيث تجد الإنسان قد يشتري جهازًا ويُخيّل إليه أن هذا أفضل جهاز، ولكن تجده بعد أسبوعين يمل ويريد أن يُغيّره، أو يقوم شخص بفتح محل تجاري ويتعب فيه وبعدما يقيم هذا المحل يزهد فيه، أو سيارة، أو منتج، مشيرًا إلى أن الشريعة جاءت لتقاوم المعنى الاستهلاكي السلبي عند الإنسان؛ ولذلك كان عمرو بن العاص يقول: لا أملُّ صديقي ما لم يملني، ولا دابتي، ولا بيتي، وهذا يؤكد على ضرورة أن يتكيّف الإنسان مع الأشياء، لا أن يكون عنده سرعة العزوف عنها.
أحكام سريعة
وأضاف فضيلته أن ما يسمى بالسرعة العاطفية، سواء كانت سرعة الغضب أو سرعة الرضا، أو سرعة الحب، قد تدفع الإنسان إلى أن يأخذ انطباعًا أو يُصدر حكمًا سريعًا على الآخرين، أو يتخذ موقفًا بناءً على خطأ، ويقوم بمصارمة هذا الإنسان ومقاطعته، مشيرًا إلى ضرورة أن يتعايش الإنسان مع هذه الأشياء، وألا يسمح لها أن تسيطر على قراراته.
تراكم في القيادة؟!!
وضرب فضيلته مثالًا لسرعة التصدر، قائلًا: إن أحد الشباب قام بعملية قتل، وقتل مجموعة من إخوانه المسلمين، فجاء شخص يعاتبه في الإنترنت ويقول له: كيف وكيف؟ قال: يا أخي، يُبعثون على نياتهم!، أي يبعثون على نياتهم، لكن أنت قاتل وحاكم في الوقت ذاته، قتلتهم وتحكم عليهم في الدنيا وتلاحقهم في الآخرة وتحكم عليهم أنهم يبعثون على نياتهم!، متسائلًا: كيف يلقى ـ مثلُ هذا الشخص ـ اللهَ -سبحانه وتعالى- وفي رقبته وذمته دماء كثيرٍ من المسلمين، وهذا يؤكد على خطورة سرعة التصدر والقيادة.
وذكر فضيلته أن هناك كتابًا جميلًا جدًا اسمه "واحد وعشرون قانونًا في القيادة لا تقبل المناقشة"، لكاتب اسمه "ماكسويل"، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب مدهش وفيه جانب الخبرة، حيث يتحدث فيه المؤلف جزئيًا عن شيء يسميه العملية أو التراكم في القيادة، والتوجيه، والتأثير على الرأي أو على مجموعة من الناس، وأن ذلك مرتبط بالوقت وعدم استعجال الأشياء، ولذلك كان من حِكَم السلف أنهم يقولون: من تعجَّل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه.
تأنٍّ..وتسويف
وردًّا على سؤال يقول: ما الفرق بين التأني والتسويف؟، قال الشيخ سلمان: إن التسويف ربما يكون عند الإنسان الذي همته ضعيفة، وليس عنده طموح، مشيرًا إلى أن هناك من الأشخاص من إذا جلست معه تشعر بأن هذا الإنسان كنز، وأنه واعد، وأن له مستقبلًا ضخمًا، ثم إذا قابلته بعد سنتين تجد نفس الروح ونفس المواعدات، وسنعمل وسنبدع وكذا وهناك مشروعات أكثر من رائعة آتية، وبعد أربع سنوات تجد نفس الكلام، في حين أن هذا الشخص لم ينجز، وهذا يؤكد على أن الإنجاز أعتقد عملية ضرورية جدًا، لافتًا إلى أننا في العالم العربي عندنا المواعيد مفتوحة حتى لو كان الإنجاز يتعلق ببناء نفق أو كوبري، حيث تجد أننا نعمل بـ"سرعة السلحفاة"، ونحن في عصر الضوء.
أفضل منتج بأسرع وقت
وضرب فضيلته مثالًا لذلك، قائلًا: في مرة من المرات كان معي صديق لي ومررنا من عند كوبري، وقلت يا أخي هذا ضيق علينا كل يوم، قال: يا أخي هذا في الصين خلال أسبوع واحد فقط يكون قد أُنجز، لماذا؟ لأنهم يقيسون الأبعاد والأطوال ثم ينجزونها في المصنع، وبعدها يبدؤون في الحفر ثم وضع هذه الأشياء التي هي رتبت من الأصل، ويحددون الوقت الذي ينتهون فيه، ويلتزمون به بالفعل، وهذا يوحي بقضية احترام الوقت وهي قيمة مهمة.
وفيما يتعلق بأن البعض قد يربط بين السرعة في الإنجاز وافتقاد الجودة والإتقان، قال الدكتور العودة: إن الأمر يتعلق بضرورة تحقيق التوازن، فإذا استطاع الإنسان أن يعطي أفضل منتج بأسرع وقت، يكون الإنسان وصل إلى القمة.
الإفراط في السرعة
وتعقيبًا على مداخلة تقول: كيف نعالج الإفراط في السرعة على المستوى الشخصي؟، قال الشيخ سلمان: إن السرعة أفضل من الاسترخاء المفرط، خاصة السرعة بمفهومها الإيجابي، مشيرًا إلى أن البطء مشكلة كبيرة في تكوين الإنسان أو شخصيته، ولذلك يجب على الإنسان أن يراقب نفسه بشكل جيد، وأن يدرك الخلل الموجود فيه، سواء كان مفرطًا في السرعة أو في البطء.
وضرب فضيلته مثالًا للبطء، قائلًا: يذكرون في قريتنا طرفة؛ ذلك أن أناسًا معروفين بالبطء الشديد يتندرون على أنفسهم، فأحدهم يقول: إن والدي ذهب هو وأخوه إلى المزرعة ورجع في المساء لوحده، فقالت له أمه: أين أخوك؟ قال: ما أعلِمُك.. أعطيني عشاءه أولًا، فخضعت أمه للضغط وقدمت العشاء، فأكل عشاءه وعشاء أخيه، وعندما انتهى من العشاء قال: إنه طاح في البئر!
سرعة التفكير
وتعقيبًا على مداخلة تقول: نحن شعب يعشق المكوث في الدائرة الواحدة لوقت طويل، فقد تمضي اللحظات الأخرى سراعًا من بين أيدينا وقد تحوي في جعبتها فرصًا عظيمة تفوت، قال الشيخ سلمان: نعم، هذا له علاقة بسرعة التفكير، مشيرًا إلى أن هناك من يكتب على الآلة الكاتبة بحرفين وببطء شديد ولا يريد أن يغير هذه العادة، لكن أن يكون هناك من يكتب بأصابعه العشرة ويكتب بسرعة فهذا شيء جديد وجميل.
وأضاف فضيلته: كذلك ما يتعلق بطريقتنا في التفكير تجاه الأشياء، حيث يمكن للإنسان أن يفكر بطريقة أكثر سرعة إذا عرف كيف يفكر، وكيف يركز على الأشياء التي تحتاج إلى تركيز وأن يجدد الاستفادة من الفرص المتاحة له.
تكافؤ النسب!!
وردًّا على سؤال من مشارك، يقول: ماذا عن دعوى تكافؤ النسب؟، قال الشيخ سلمان: إن الإعلام كأداة من أدوات السرعة لا يجب أن يكون حاكمًا على القضاء، مشيرًا إلى أن القضاء له معابر وأدوات معينة، وتنتقل القضية من قاضٍ إلى آخر، ومن محكمة إلى أخرى، ومادامت القضية آخذة هذا الاتجاه فأنا لا أعتقد أنه لا يُلام أحد يرفع دعوى من الحق أن تقبل ثم يحكم فيها بما يراه القاضي.
وفيما يتعلق بأن بعض القضايا لا تأخذ حقها من السرعة، حيث تتباطأ كثيرًا حتى صدور الحكم، قال الدكتور العودة: إن التباطؤ يعد مشكلة، خاصة في القضايا التي يتناولها الإعلام، أو القضايا التي يكون فيها أناس أحيانًا على أعصابهم.
وتابع فضيلته: أعرف امرأة تشتكي زوجها منذ سنوات، وتؤكد أنه لا يستطيع أن يؤدي حقوقها، ولكن القاضي ربما يتعامل ببطء شديد، لأنه يأمل أحيانًا أن يضطر هذا البطء الطرفَ الثاني إلى أن يتنازل، وهذا قد لا يتفق مع العدالة.
زواج المسيار؟!!
وردًّا على سؤال حول حكم زواج المسيار؟ قال الشيخ سلمان: إنه بعيدًا عن المسميات؛ المسيار والمسفار والمصياف وإلى آخره، فالعبرة تكون بـ:
أولًا: وجود وتوفر الشروط لهذه العقود، وتوفر الشروط الشرعية المتكاملة بهذا العقد.
ثانيًا: وجود أو تحقيق الهدف الشرعي؛ لأن الزواج في الواقع هو عبارة عن علاقة ومسئولية ومودة وسكن ورحمة، وليس مجرد متعة عابرة، حيث تجد أن البعض ربما تحول المسيار عندهم إلى أداة للاستمتاع، بحيث أنه لا يريد أن يتحمل المسئولية، ولذلك يتزوج ويطلِّق كيفما يحلو له.
وفيما يتعلق بأن شروط العقد تختلف من مسمًى إلى آخر، فبعضهم يقول: الشروط تنزل، وبعضهم يقول الشروط يجب أن تكتمل، أوضح الدكتور العودة:
هناك بعض الشروط التي يجب توافرها، خاصة فيما يتعلق بالولي، والموافقة، والإذن، وإعلان الزواج، أو على الأقل إذا لم يكن هناك إعلان أن يكون هناك شهود، ولكن في الجانب الآخر ربما يكون هناك اتفاق ثنائي بينهما على أن تتنازل المرأة عن بعض حقها، لأنها لا تحتاجه، فقد تكون مشغولة بأولادها أو بعملها، ولا تريد زوجًا يكون عندها على مدار الساعة، وإنما تريد أن يكون ظلًا، وأن يأوي إليها بين الفينة والأخرى، أو أن يكون قريبًا منها ويترك بقية وقتها لعملها أو لأولادها.
إذْن الولي
وفيما يتعلق بإذن الولي، ذكر الشيخ سلمان أنه لابد أن يكون هناك إذن من الولي أو إذا لم يكن هناك إذن، لابد أن تكون هناك موافقة من الولي، فليس بالضروري أن يوافق الولي على شخص هذا الإنسان، لكن لو أن الولي أعطى البنت حقها في أن تتزوج هذا الإنسان أو غيره، ورضي فليست هناك مشكلة، وهذا قول عند الإمام أحمد، ويُستأنس له بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌَ»، فقالوا: إذا وجد إذن من الولي وتفويض في هذا فإن هذا يعتبر بمثابة الإذن.
إمراة..داعية
وردًّا على سؤال من مشاركة تقول: كيف أكون داعية، وكل من حولي يرفضون جهودي في ذلك، قال الشيخ سلمان: من الطبيعي أن يأتي التحدي، خاصة فيما يتعلق بقدرة الإنسان على التأثير على الآخرين وعلى الاستفادة منهم، مشيرًا إلى أنه من الفقه أن يكون عند الإنسان توفيق ما بين المقدور عليه وما بين المأمور به، فالإنسان أحيانًا ربما يطالب الناس بقدر من السرعة في الاستجابة.
وأضاف فضيلته: ممكن تتخيل أن فتاة ـ مثلًا ـ قد تكون بعيدة عن الله لفترة معينة ثم يهديها الله تعالى، فتجدها بين عشية وضحاها تريد من الناس أن يصلوا إلى حيث وصلت هي، ولكن هنا نقول كما قال الله تعالى: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا)(النساء: من الآية94)، حيث يجب أن تتحلى بالهدوء وعدم الاستعجال، ونتذكر نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)(العنكبوت: من الآية14)، حيث يجب على الإنسان أن يصبر.
دعوة غير مباشرة
وأردف الدكتور العودة: إنني أميل إلى أن تكون الدعوة غير مباشرة، فالناس لا يقبلون "افعل ولا تفعل وقل ولا تقل"، ولكن القدوة الحسنة، والثناء الطيب على أعمال الخير، وذم أعمال السوء، وجلسة القرآن والحديث، وذكر الله -سبحانه وتعالى-، قد تغير في الإنسان أشياء كثيرة.
وتابع فضيلته: إنك قد تجد إنسانًا عنده معصية، فإذا أنكرت عليه الأمر مباشرة قد لا يستجيب، ولكن إذا أعطيته كتابًا فيه أسماء الله الحسنى مثلًا أو كتابًا في وصف الجنة أو كتابًا في الترغيب في الخير أو قرنته بجلساء طيبين أو شغلته بأعمال.. فإنه ستكون هناك مؤثرات عديدة، وليس فقط مجرد البلاغ أو البيان، فإنه ربما يدري أنه ارتكب خطأً لكن نفسه لازالت تلحُّ عليه بذلك.
أيام سوداء؟!!
وتعقيبًا على مداخلة من مشاركة تطلب من الشيخ سلمان الدعاء لها، كما تقول: "تعيش أيامًا سوداء"، قال الدكتور العودة: إن شاء الله الدعاء أبشري فيه يا أختي "مؤمنة"، وإن شاء الله يكون لك من اسمك نصيب.
أما فيما يتعلق بكلمة "أيام سوداء"، دعا فضيلته السائلة إلى سحب هذه الكلمة، لأن الأيام كلها بيضاء، الليالي سوداء ولكن سواد الليالي أيضًا فيه أشياء جميلة، فكم فيه من المعاني الإيجابية في ذكر الله، والهدوء، والجماليات في هذا الليل، فالله تعالى جعل في النهار الشمس وبالتالي فيه الإشراق وفيه المعنى الإيجابي، فلذلك علينا أن نستبشر بفضل الله وبرحمته وأن نفرح وأن نحاول أن نعظّم قيمة الأشياء الإيجابية في حياتنا.
روابط اجتماعية
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يدعو إلى تكثيف الحديث عن الروابط والعلاقات الاجتماعية، قال الشيخ سلمان: هذه هي إحدى القضايا التي تحتاج إلى حديث، سواء بالنظر إلى بداية تهتُّك في هذه العلاقات، أو بالنظر إلى هذه العلاقات متى تكون إيجابية؟ ومتى تكون سلبية؟ ولقد تحدثنا سابقًا عن أنه كيف أن العلاقات تجعل البعض يتحولون إلى مرائين يعبّرون عما حولهم أكثر مما يعبّرون عن أنفسهم، بسبب عدم توظيف هذه العلاقات بشكل إيجابي.
تهنئة.. للعاهل السعودي
وتعقيبًا على مداخلة من مشارك يهنئ العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث حصل على أكثر شخصية شعبيةً في العالم الإسلامي، بحسب استفتاء من دوائر أمريكية، قال الشيخ سلمان: الحمد لله، ونسأل الله أن يزيد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله من فضله، وأن يعينه على ما تولى، وأن ينفع به بلاده والمسلمين أجمعين.